إذا سألك أحدهم عن معنى الخوارزميات، هل يمكنك إعطاءه إجابة وافية دقيقة؟ بالنسبة لي قبل كتابة هذا المقال، ستكون إجابتي بلا، وعلى الأرجح هي نفسها بالنسبة لك.
ما هي الخوارزمية؟
لكن هل تعلم أننا جميعًا نستخدم الخوارزميات في حياتنا اليومية دون أن ندري؛ مثل اتباع مقادير وخطوات وصفة إعداد وجبة طعامنا المفضلة، أو تحديد أي طريق نتخذه اليوم للوصول إلى العمل أسرع، أو جمع أجرة الركاب وإعطاء كل راكب “الباقي” الصحيح وإنجاز المهمة المستحيلة بنجاح، وصولا إلى استخدامك للتطبيقات المختلفة على هاتفك الذكي وجهاز اللابتوب وشبكة الإنترنت.
هل يمكنكم الآن تخمين ما هي الخوارزمية؟ بالضبط الخوارزمية؛ هي مجموعة من خطوات محددة منطقية متبّعة لإنجاز مهمة/ حل مشكلة ما. ولا تكون الخوارزمية صحيحة، إلا إذا توافرت بها ثلاث صفات رئيسية وهي:
- أن تكون كل الخطوات واضحة تماما.
- أن تكون نهائية الخطوات؛ أي تعتمد كل خطوة على عدد معين من العمليات الحسابية وتكون لها نهاية.
- أن تكون خطواتها فعَالة وقادرة على حل المشكلة، ويستطيع الشخص القيام بها في أي وقت.
نبذة تاريخية سريعة
لا يشيع استخدام مصطلح خوارزمية، حيث أصبحت لفظة “algorithm” الترجمة الإنجليزية لخوارزمية المصطلح الشائع بين المتخصصين، والأكثر ألفة بين مرتادي منصات التواصل الاجتماعي الذين يشاركون محتواهم الخاص على المنصات المختلفة، وصاروا أكثر وعيًا بمعنى وأهمية ما تمثله هذه الخوارزميات.
كما هو واضح تنسب الخوارزميات إلى مؤسسها الخوارزمي، والذي يأتي لقبه نسبةً إلى مدينة خوارزم بإقليم خراسان، وهو الاسم التاريخي القديم للمدينة، ويطلق عليها حاليا خيوة وتقع في غرب أوزبكستان. أما التسمية الإنجليزية للفظة خوارزمية “Algorithm” فجاءت من الترجمة اللاتينية لها وهي “Algoritmi”، والتي استخدمها الخوارزمي بنفسه لترجمة اسمه عند ترجمة كتابه “الفن في الحساب الهندي”.

طوَّر الخوارزمي _وأيضًا يُعرف بأبي جعفر _ الخوارزميات وبنى ما توصل إليه على ما أسسه عالم الرياضيات والفلك الهندي “براهماغوبتا”، الأبرز في عصره ومن أعظم العلماء في التاريخ. كما أشرف الخوارزمي على ترجمة أهم الأعمال اليونانية والهندية في علوم الرياضيات والفلك إلى العربية بما فيها أعمال غوبتا. كذلك أنتج الخوارزمي أعمالًا أصلية كان لها تأثير عظيم على تقدم الرياضيات في العالم الإسلامي والأوروبي لاحقا من خلال الترجمات اللاتينية لأعماله في القرن الثاني عشر، ومن أشهرها كتابه “المختصر في حساب الجبر والمقابلة”.
مثلما بنى الخوارزمي وأضاف إلى عمل من سبقوه، لحقه علماء آخرين أضافوا وطوّروا ما توصل إليه؛ كوضع الأساس للكود الخاص بالحاسوب، وإنتاج أول برنامج كمبيوتر في أربعينات القرن التاسع عشر، وصولا إلى الخوارزمية الحديثة في منتصف القرن العشرين، حيث اتسع مفهوم الخوارزمية ليشمل أي نوع من العمليات الحسابية.
ومن وقتها أصبحت الخوارزميات تستخدم على نطاق واسع في أغلب المجالات كالتعليم وخدمات التأمين والمعاملات البنكية ومنح القروض والتوظيف والأمن والتسويق، وكل ما له صلة بتقنيات الحاسوب وتطوير استخداماته.
بيانات للبيع ولأغراض أخرى!
مع تزايد الاعتماد على “البيانات الضخمة” – Big Data وسعي العديد من الدول إلى التحول الرقمي بشكل كامل، تزايدت الأسئلة حول الدور الذي تلعبه البيانات التي نشاركها طوعا والخوارزميات المعقدة، وإلى مدى تمتد آثارها الاجتماعية على حياتنا. في كتابها “أسلحة الدمار الرياضية”، تكشف لنا كاثي أونيل الحاصلة على الدكتوراة في الرياضيات من جامعة هارفارد، كيف يتم استخدام بعض خوارزميات البيانات الضخمة بشكل متزايد بطرق تستهدف طبقات اجتماعية بعينها معززةً عدم المساواة والعنصرية الموجودين مسبقًا.

على سبيل المثال يمكن من خلال استعمال ماكينات الصراف الآلي والكروت الائتمانية التنبؤ بأنماط صرف واستهلاك الأفراد. عند الاقتراض من البنوك يقيم طالب القرض (المقترض) من خلال برمجية يتم تغذيتها بمعلوماته الشخصية. الأمر نفسه يحدث عند طلب بوليصة تأمين أو تحديد قسط التأمين، والحجز الالكتروني للسفريات (سواء فنادق أو مواصلات). حتى في مجال التوظيف وفيما يتعلق بالتدرج الوظيفي عند الترقية يتم تحليل طلبات المتقدمين للوظيفة وتنقيحها واختيار المرشحين الأمثل بواسطة خوارزميات محددة، ووفقا لمعايير معينة.
أما شبكة الإنترنت، فتشهد أبرز صور استخدام الخوارزميات خاصةً على مستوى منصات التواصل الاجتماعي والتسويق الإلكتروني. يقول “وودرو هارتزوغ”، أستاذ القانون وعلوم الكمبيوتر في جامعة نورث إيسترن في بوسطن: “إذا كنت تريد أن تعرف متى تحاول شركات التواصل الاجتماعي التلاعب بك لتكشف عن معلومات تخصك أو تحقق مزيد من التفاعل؛ فإن الإجابة دائمًا”.
تُصمم شركات التكنولوجيا خوارزميات تساعدها على تحقيق هدف محدد؛ وهو كسب الأموال عن طريق إقناعنا كمستخدمين بشراء شيء ما أو إبقائنا أطول مدة ممكنة ننتقل من منشور لآخر من أجل عرض مزيد من الإعلانات لنا.
المكونات التي تستخدمها تلك الخوارزميات هي بياناتنا التي نقدمها _عن دراية أو لا_ عبر الإنترنت. في كل مرة تعجب بمنشور، أو تشاهد مقطع فيديو، أو تشتري شيئًا، فإنك تقدم بيانات أكثر، ما يحقق قدرة على فهمك أكثر، وبيع هذا الفهم للعلامات التجارية مع احتمالات عدة تتنبأ بخطواتك القادمة.
كما صُمِمَ ما يسمى بـ”الأنماط المظلمة”، وهو مصطلح أطلقه المصمم البريطاني “هاري بريجنول” على خيارات تصميم تلجأ لها شركات التكنولوجيا عند تصميم مواقع الويب أشبه بحيل تدفعنا بشكل لا شعوري إلى مشاركة مزيد من المعلومات أو إنفاق مزيد من الوقت والمال على مواقع تسويق وبيع المنتجات. من هذه الحيل إخفاء زر إلغاء الاشتراك، وعروض الخصومات الزائفة، وإظهار عدد من اشتروا المنتج الذي تبحث عنه الآن لتشجيعك على الشراء مثلهم.
ليظل السؤال الأهم هل نحن من نستخم الخوارزميات لتوفير وقتنا وتسهيل أمور حياتنا أم الخوارزميات هي التي تستخدمنا لأغراض أخرى؟!
المصادر:
storyofmathematics interestingengineering cnn theconversation wikipedia
1 Comment
Pingback: هل مازال الإنسان يملك إرادة حرة في عصر الخوارزميات؟ - جُذمور